حين تُباع الذاكرة: من خوّلهم بيع أملاك الشعب الفلسطيني في لبنان؟

منذ 3 ساعات   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

مرّ الخبر كما تمرّ أخبار كثيرة في زمن الإنهاك الفلسطيني، لكنّ ثقله لا يُقاس بعدد الأسطر التي كُتب بها، بل بحجم ما يحمله من دلالات وخطر. لجنة عقارات تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة ياسر عباس، مُنحت مهلة أسبوعين فقط لبيع ممتلكات المنظمة في لبنان، والتي تُقدَّر بنحو مئتي عقار. أسبوعان فقط، لبيع ما تراكم عبر عقود من النضال، واللجوء، والحرمان.

 

هذه ليست عقارات صامتة. هذه بيوت، وأراضٍ، ومقارّ كانت شاهداً على حياة الفلسطيني في المنفى، وعلى محاولته المستمرة لتثبيت وجوده، لا كضيفٍ عابر، بل كصاحب حقٍّ مؤجَّل. كلّ عقار منها يحمل قصة، واسماً، وذاكرةً جماعية، لا تُختزل في صفقة، ولا تُقاس بثمن.

 

السؤال الذي يفرض نفسه، ولا يجوز الهروب منه:

من الذي خوّل هذه اللجنة بيع أملاك الشعب الفلسطيني؟

وبأيّ حقّ تُتَّخذ قرارات مصيرية كهذه، بعيداً عن أي نقاش وطني، أو شفافية، أو مساءلة؟ هل هذه الأملاك ملكٌ لإدارةٍ عابرة، أم ملكٌ لشعبٍ بأكمله، في الوطن والشتات؟

 

ثمّ السؤال الأخطر: أين ستذهب هذه الأموال؟ ولمن؟

هل ستُعاد إلى خدمة اللاجئين الذين يعيشون الفقر والتهميش في المخيمات؟ أم ستذوب في حسابات مغلقة، لا يعرف الشعب عنها شيئاً، كما ذابت قبلها أموال كثيرة باسم الشعب والقضية؟

في زمنٍ يُسأل فيه الفلسطيني عن لقمة عيشه، ويُطالَب بالصبر على الجوع والحصار، تُباع أملاكه بهدوء. لا بيان واضح، ولا خطة معلنة، ولا ضمانات. فقط قرارات فوقية، تُتَّخذ باسم الشعب، ومن دون الشعب.

 

الأكثر إيلاماً أنّ هذا يحدث بينما تُرفع شعارات “التمثيل الشرعي” و”الشرعية التاريخية”. أيّ شرعية هذه التي تبيع ممتلكات شعبها من دون العودة إليه؟ وأيّ تمثيلٍ ذاك الذي يُقصي الناس عن قرارٍ يمسّ مستقبلهم، وذاكرتهم، وحقوقهم؟

 

ليس الخوف من البيع وحده، بل ممّا يرمز إليه. من تحوّل ما هو وطني إلى إجراء إداري، وما هو حقّ إلى ملف، وما هو ملكٌ عام إلى صفقة عاجلة. كأنّ ما عجز الاحتلال عن مصادرته بالقوة، يُستكمل اليوم بقرارات داخلية باردة.

 

لا يبدو السؤال الحقيقي: لماذا يُباع هذا العدد من العقارات؟

بل: إلى متى يُدار الشعب الفلسطيني وكأنّه غائب، أو قاصر، أو غير معنيّ بما يُفعل باسمه؟

 

حين تُباع أملاك الشعب من دون إذنه، لا تُباع حجارة فقط…

بل تُباع الثقة، وتُمسّ الذاكرة، ويُقتطع جزءٌ آخر من الوطن.

 

وفي لحظةٍ يُفترض فيها أن تُصان الأمانة لا أن تُصفّى، لا يعود السؤال من خوّلهم، بل من سيُحاسبهم.

فمن يبيع أملاك الشعب الفلسطيني بلا تفويض، لا يُدير مؤسسة… بل يُصادر شعباً كاملاً.

 

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

حين تُباع الذاكرة: من خوّلهم بيع أملاك الشعب الفلسطيني في لبنان؟

مرّ الخبر كما تمرّ أخبار كثيرة في زمن الإنهاك الفلسطيني، لكنّ ثقله لا يُقاس بعدد الأسطر التي كُتب بها، بل بحجم ما يحمله من دلالات … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون