القضية الفلسطينية في لبنان: صراع سلطة أم تصفية حقوق؟

منذ 10 ساعات   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

بين الحديث عن نزع السلاح وبيع العقارات، يبقى الفلسطيني في لبنان خارج معادلة القرار، محروماً من حقوقه المدنية والاجتماعية، ومطالباً دائماً بدفع الثمن وحده.

 

في لبنان لا تمرّ القضايا الفلسطينية كخبرٍ عابر، ولا تُناقَش بوصفها ملفات إدارية. في لبنان كل تفصيل فلسطيني محمّل بتاريخ الدم واللجوء والحرمان. ولهذا يطلّ السؤال اليوم أكثر إلحاحاً وقسوة:

هل ما يجري هو صراع سلطة داخل النظام الفلسطيني الرسمي، أم محاولة هادئة لتفكيك ما تبقّى من جوهر القضية الفلسطينية في لبنان؟

بين الحديث عن بيع العقارات الفلسطينية، وبين الضغط المتصاعد تحت عنوان تنظيم – أو نزع – السلاح الفلسطيني في المخيمات، يقف الفلسطيني في لبنان عارياً من الحقوق، محاصراً بالقرارات، بلا حماية قانونية، وبلا أفق واضح.

 

منذ عقود لم يكن السلاح في المخيمات الفلسطينية ترفاً، ولا خياراً سياسياً أولياً، بل كان تعويضاً قاسياً عن غياب أبسط الحقوق المدنية والاجتماعية.

الفلسطيني في لبنان لا يملك حق العمل، ولا حق التملّك، ولا ضماناً اجتماعياً، ولا أماناً صحياً. وحين يُطلب منه اليوم التخلي عمّا يراه آخر عناصر القوة الرمزية، يُطرح السؤال الأخلاقي قبل السياسي:

ماذا يُعطى بالمقابل؟

 

في هذا السياق، شكّلت اللحظة التي وقف فيها السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور في وجه محمود عباس، رافضاً تسليم السلاح، محطة مفصلية.

لم تكن “لا” أشرف دبور تمرّداً على القيادة، بل صرخة سياسية تقول بوضوح:

لا يمكن الحديث عن السلاح بمعزل عن الحقوق المدنية والاجتماعية.

لا يمكن مطالبة اللاجئ بالتجرّد من أدوات الحماية، فيما يُترك لمصيره في سوق العمل، وفي المستشفيات، وفي قوانين الإقصاء.

كانت تلك الـ“لا” دفاعاً عن كرامة الفلسطيني قبل أن تكون موقفاً أمنياً، وتذكيراً بأن القضية في لبنان ليست ملفاً أمنياً، بل قضية لجوء وحقوق وإنسان.

 

أما الحديث عن بيع عقارات فلسطينية، فهو الأخطر والأكثر إيلاماً.

العقار الفلسطيني في لبنان ليس مجرد حجر، بل شاهد على النكبة، وعلى الوجود الفلسطيني الذي حُرم من الوطن ولم يُمنح بديلاً.

وحين يُفتح باب البيع، يفتح معه سؤال الفقد النهائي:

هل يجري تفكيك الوجود الفلسطيني قطعةً قطعة، تحت عناوين إدارية واقتصادية؟

 

وسط كل هذا، يبدو الفلسطيني في لبنان آخر من يُسأل، وآخر من يُؤخذ رأيه.

هو موضوع القرار، لا شريك فيه.

تُناقَش أسلحته، وتُباع أملاكه، وتُدار شؤونه، بينما تبقى حقوقه مؤجّلة، كأنها مطلب زائد عن الحاجة.

 

ليست القضية صراع سلطة فقط، بل صراع على معنى القضية نفسها.

هل الفلسطيني في لبنان ملف أمني يجب إقفاله؟

أم قضية إنسانية-سياسية تستحق العدالة قبل التنظيم، والحقوق قبل السلاح، والكرامة قبل أي تسوية؟

في لبنان، لا يحتاج الفلسطيني إلى مزيد من القرارات، بل إلى الحق.

والحق حين لا يُحقَق، يتحوّل إلى حزنٍ دائم…

وحين يُهمَل طويلاً، يتحوّل إلى جرحٍ مفتوح في ذاكرة اللجوء.

 

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

القضية الفلسطينية في لبنان: صراع سلطة أم تصفية حقوق؟

بين الحديث عن نزع السلاح وبيع العقارات، يبقى الفلسطيني في لبنان خارج معادلة القرار، محروماً من حقوقه المدنية والاجتماعية، ومطالباً… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون