غزة.. بين نار الإبادة وصمت العالم!

منذ يومين   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

غزة، تلك البقعة الضيقة من الأرض، باتت اليوم مسرحاً لفاجعة لا يشبهها تاريخ. مدينة تُقصف من السماء، وتُحاصر من البحر، وتُستنزف من البر، حتى غدت خرائطها رماداً، وأزقتها أنهاراً من دماء الأبرياء.

في غزة، لم يعد الأطفال يلهون وراء أحلامهم الصغيرة؛ بل صاروا أرقاماً تُتلى على عجل في نشرات الأخبار. والنساء اللواتي أنجبن الحياة، يحملن الآن موتاً مضاعفاً في قلوبهن، كأن الأرحام التي كانت تنبض بالأمل قد تحولت إلى مدافن مبكرة.

لكن المأساة لا تقتصر على آلة الحرب وحدها؛ فخلف كل صاروخٍ يسقط يدٌ أمريكية تزوّد القاتل بأدوات الموت، ومالٌ عربي – بوعي أو بغفلة – يتسرب إلى خزائن المذبحة.

 وحين صافح حكّام الخليج الرئيس الأمريكي ترامب بابتساماتٍ عريضة، توهّموا أنهم يشترون أمانهم، بينما كانوا في الحقيقة يوقّعون شيكاً مفتوحاً لذبح إخوتهم في فلسطين.

إنها لحظة انكشاف، لحظة يسقط فيها القناع عن عالمٍ يدّعي الإنسانية. أيُّ عدلٍ هذا الذي يُبيح إبادة شعبٍ لأنه أراد الحياة؟ وأيُّ حضارةٍ هذه التي تكتفي بمشاهدة المذابح كأنها مجرد مشاهد عابرة على الشاشات؟

 غزة لا تموت بالقصف فقط، بل تموت أيضاً بصمت من كان يُفترض أن يكون سندها، وبنسيان أجيالٍ قد تُربّى على روايةٍ مزوّرة تخلو من الحقيقة والوجع.

علّموا أبناءكم أن ما يحدث في غزة ليس حرباً بين طرفين متكافئين، بل إبادة بطيئة لشعبٍ أعزل محاصر. أخبروهم أن الدم الفلسطيني لم يكن رخيصاً، بل كان ثمنه يُدفع من خزائن الأغنياء العرب، وأن مفاتيح الخيانة سُلّمت إلى الأعداء طوعاً. أخبروهم أن غزة لم تنهزم، وإنما تُركت وحيدة في وجه نارٍ تفوق طاقتها، ومع ذلك قاومت وصمدت لتبقى الشاهد الأخير على أن الكرامة لا تُشترى.

سجّلوا للتاريخ: أن غزة أُبيدت أمام مرأى العالم ومسمعه، وأن الرصاص الذي اخترق صدور أطفالها جاء بأيدٍ متحكِّمة، وبأموالٍ قريبة نسباً ودماً. ولا تتركوا للرواة المزوّرين فرصةً أن يكتبوا للتاريخ حكايةً بلا ألمٍ أو حقيقة.

غزة ليست خبراً عابراً يطويه النسيان. غزة جرحٌ مفتوح في قلب الأمة، وصوتٌ يعلو على صمت الخيانة، وصرخةٌ باقية مهما طال ليل الإبادة.
غزة تُودِّع أبناءها كل يوم، لكن العالم يشيّع إنسانيته معها في صمتٍ مخزٍ لا يُغتفر.
وكأن الليل نفسه يبكيها، فيغدو القمر شاهداً على جرحٍ لم يندمل، وصرخةٍ لن تنطفئ.
وما أبشع عالماً يرى الإبادة رأي العين، ثم يواصل يومه وكأن شيئاً لم يكن.

 
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطيني، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!

في الأزمنة البعيدة، كان الشرق الاوسط  قلب العالم، ونافذة السماء إلى البشر، ومسرح الوحي الذي غيَّر وجه التاريخ. على هذه الأرض مشت… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير