المفاوض الفلسطيني بين الخيبة والإنصاف!

منذ 12 ساعة   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

كثُرت في الآونة الأخيرة موجات الانتقاد والتخوين الموجّهة إلى المفاوض الفلسطيني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى بدا وكأنّه هو العدو لا من يفاوضه. وفي خضمّ هذا الجدل الحاد، يغيب صوت العقل الذي يدعو إلى التروّي والإنصاف. هذا المقال محاولة لوضع الأمور في سياقها الصحيح، بعيداً عن الانفعال، وعن أحكامٍ تُلقيها العواطف قبل الحقائق.

الإحساس بالخيبة ثقيل علينا جميعاً. ثقيل على قلوبنا التي تنتظر الفرج، وثقيل على أحبائنا الأسرى الذين يحلمون بالحرية، وثقيل أيضاً على المفاوض الفلسطيني الذي يقف في قلب العاصفة، محاصراً بين الواجب والواقع، بين الأمل والخذلان، بين الدم والسياسة.

لكن من الظلم أن نحمّل المفاوضين أكثر مما يحتملون، أو أن نضعهم في موضع الاتهام السهل كلّما خذلتنا النتائج. فالمفاوض ليس خصماً للأسرى، بل هو امتداد لهم، يحمل وجعهم على كتفيه ويقابل به وجوه المحتلين وألاعيبهم.

المفاوض الفلسطيني ليس ذلك الجالس على طاولةٍ مريحةٍ في قاعةٍ فخمة، بل هو الذي فقد بيته وأهله ورفاقه، وهو الذي يعرف أن كلّ كلمةٍ يتفوه بها قد تكون ثمن حياةٍ أو حرية. كلّ نفسٍ يتنفسه هناك، يدفع مقابله جهداً ودماً وأرقاً لا يراه أحد.

إنّ من السهل أن نحاكم من في الميدان ونحن خلف الشاشات، لكن من العدل أن نُدرك أنّه يفاوض محتلاً خبيثاً، مراوغاً، يتلاعب بالكلمات كما يتلاعب بالحدود والتاريخ، ويبدّل المعاني ليغسل بها جرائمه. هذا العدو لا يعرف شرفاً ولا التزاماً، ومن يواجهه لا بد أن يحمل صبراً بحجم الوطن.

المرحلة صعبة ومعقدة، والعدو شرس ومجرم، والوسطاء ليسوا نزيهين ولا محايدين. فهم في الغالب شركاء في صناعة الألم، مجاملون للعدو، متواطئون بصمتهم أو بضغطهم. ومع ذلك، يقف المفاوض الفلسطيني وحيداً، يحاول أن ينتزع حقّاً من فم الذئب، وأن يحافظ على ما يمكن الحفاظ عليه في زمنٍ ينهش فيه الجميع أرضنا وكرامتنا.

فلنكن منصفين. لا نبخسهم حقهم، ولا نثقل عليهم بما لا يحتملون. ليسوا خونةً ولا متخاذلين، بل بشرٌ يقاتلون على جبهةٍ أخرى، بالكلمة والصبر والحيلة، في وجه محتلٍّ لا يرحم.

المقاومة وجوهٌ كثيرة، منها من يحمل البندقية، ومنها من يحمل الموقف، ومنها من يجلس إلى الطاولة وهو يعلم أن خصمه لا يؤمن بالسلام. فهل بعد هذا نلومهم؟

إنها كلمة حق:
لا تلوموا المفاوض الفلسطيني، فمكانه ليس سهلاً، ولا موقعه مريحاً، لكنه واحدٌ من خطوط المقاومة، وإن اختلف شكلها.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

المفاوض الفلسطيني بين الخيبة والإنصاف!

كثُرت في الآونة الأخيرة موجات الانتقاد والتخوين الموجّهة إلى المفاوض الفلسطيني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى بدا وكأنّه هو العد… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير