خميس وعائلته.. من ظلم الزنازين إلى ظلام التشرد
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام: سلسلةٌ أخرى من المعاناة عاشها الأسير المحرر خميس أحمد الكتناني وعائلته خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة، عدوانٌ لم يترك له ما يسلّي به مصابه سوى تاريخ نضالي طويل قارب الـ 60 عاماً أمضى منها 13 عاماً داخل الأسر، وقت كان ضابطا سابقاً في السلطة الفلسطينية برتبة عقيد.
فبعد أن كان لديه منزله الذي يؤويه في منطقة الشعف المنكوبة، هو وأبناؤه المتزوّجين زهير ومحمد وسليم، يجد الآن نفسه وأبناءه وأحفاده توحّدهم غرفة صف صغيرة في إحدى مدارس الإيواء في غزة.
ليست غرفة الصف تلك بأحسن حالا من منزله المدمر، حيث حائط الغرفة الغربي المتهاوي بعد قصف موقع للشرطة الفلسطينية بالقرب من مدرسة الإيواء.
بداية العدوان
يروي الأسير المحرر ما حصل معه يوم مجزرة الشجاعية قائلاً: "خرجت من المنزل هارباً أنا و 20 نفراً من العائلة، بعد أن أطلقت طائرة حربية بدون طيار 3 صواريخ على شقة ابني البكر زهير في الطابق الثالث عند الساعة الثالثة فجرأ، تبعتها 3 انفجارات قوية هزّت المنزل".
يقول: "جاء في اعتقادنا أنَّ الاستهداف قد طال المسجد المجاور، إلا أن جيراناً لنا أخبرونا بأن القذائف سقطت على منزلنا".
ويتابع الحاج أبو زهير: "ذهبنا لمنزل يعود لعائلة قنديل، وبعد 10 دقائق كانت الهجرة الفلسطينية الثانية".
"وصلنا لمنزل ابن أخي في حي الدرج، حيث كان فيه أكثر من 70 شخصا من الهاربين من القصف، فبدأت وقتها بالبحث عن شقة للإيجار، ولم أجد، فكان النزوح لمدرسة غزة المشتركة للاجئين".
مشاهد لا تنسى
لا مجال للحديث عن الخوف والرعب الذي رآه أبو زهير في عيون الأطفال والنساء، حيث يصف مشهد الصراخ والعويل تحت غزارة القذائف المتساقطة في الجوار، فتلتفت لمشاهِد الجثث في طريقك، فتحاول قدر الإمكان أن تشتت نظر الأطفال، كي لا يشاهدوا تلك المناظر البشعة من المجزرة، فكيف ستكون الحالة النفسية فيما بعد؟ يتسائل الحاج.
وأكثر ما أثار الحزن في نفس الحاج خميس، هو الخراب الذي حل بعفش ابنه محمد، وهو الذي يتجهّز للانتقال لعش الزوجية، إلا أن آلة الدمار الصهيونية حالت دون تحقيق حلمه، بعد أن ألحقت بعفش غرفته أضراراً بالغة، كلفته نحو 1600 دينار.
رحلة البحث عن شقة
كما أن استغلال أصحاب الشقق المعدّة للإيجار لحاجة النازحين الماسة لها، أضفى مزيداً من الأسى على قلب أبو زهير.
يقول: "بدأت بالبحث عن شقة للإيجار حتى ولو كانت مكونة من غرفتين فقط، فشهدت استغلال الناس والجشع والطمع من البعض، حيث ضاعف أحد المؤجّرين سعر شقته والتي لا تتجاوز غرفتين ومطبخ وحمام، بعد أن علم أن عدد النازحين فيها سيكون 10 أشخاص أو أكثر قليلاً، فزاد من سعر الإيجار من 200 إلى 400 دولار، فقط لكي يُعجّزنا عن الدفع، وقد نجح في مراده".
مصائب متعددة ومعنويات عالية
تكالب المصائب على الحاج خميس لم يؤثر على معنوياته العالية التي بدت واضحة في كلامه حين قال: "ما يصبّرنا هو إيماننا بالله وبحتمية النصر والشهادة التي نتمناها".
وزاد: "أهم شيء الوحدة، ونضع إيدينا في إيدين بعض وننسى الانقسام، لا خلاص للقطاع إلا بالوحدة والوفاء لدماء الشهداء لا يكون إلا بالوحدة، والحجارة المدمرة سنبنيها".
معتز الكتناني (31 عاماً) وهو ابن أخ الحاج خميس، ويقطن معه في نفس البناية، وواحد ممن فرّوا هاربين يوم مجزرة الشجاعية مع زوجته و3 من بناته، فمنزل معتز تدمّر بشكل جزئي، وهو غير صالح للسكن بعد أن تم تدمير أكثر من 80% من عفش المنزل، كما يقول.
يصف معتز مشهد طفلته يوم المجزرة وهي تجري بجانبه وتصرخ: "بابا، بديش أموت هيك".
يقول والدها: "كانت طفلتي البالغة 4 سنوات خايفة كتير خاصة بعدما شاهدت بأم أعينها أشلاء مجزرة عائلة البطش، والتي ارتقى فيها 18 شهيداً، منزل عائلة البطش قريب منا كتير، وهو أكثر ما أثر في نفسية بنتي".
الدعم النفسي
لهذا يطالب معتز قبل الدعم المادي أن يكون هناك دعم نفسي للأطفال، وحتى الرجال برأيه يجب عرضهم على أطباء نفسيين بعد الحرب.
وعن الوضع المعيشي في مدرسة الإيواء يقول معتز: "الوضع هنا مأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولكن لا بديل حتى الآن، وإحنا شبه تعوّدنا شوي".
وقال: "نأمل ألا يطول الوضع أكتر من هيك، حالياً الشباب بناموا في الممرات وساحة المدرسة، والنساء في الفصول الدراسية، وما بجيبك على المر إلا الأمر منه، وإحنا مضطرين لهيك وضع".
وعودات تلو الأخرى يتلقاها معتز وغيره من النازحين لمدارس الإيواء من وزارة الأشغال والوكالة بالتعويض، إلا أنه لم يرَ أفعالاً على أرض الواقع.
وطالب "حتى لو ببركسات صغيرة تؤويه بعد أن وجد نفسه وعائلته بعد العدوان بلا مأوى، وبلا عمل يؤمّن به المأوى".
أضف تعليق
قواعد المشاركة